الإنقسام .. إشكالية القراءة وإقتراح الحلول !

من المألوف أن تتباين وجهات النظر ، وتتعارض الرؤى تجاه كل ما يُستجد في الشأن السياسي ، ذلك أن السياسة ليست معادلة رياضية ينعقد من حولها القبول والتسليم ، أو قيمة أخلاقية تخضع لسلطانها كل الأعناق ، وإنما هي جملة سلوكية تشتمل على مزيج من مكر ودهاء وتقرير لقوة ، وإنفاذ لحسابات ، وتثبيت لمصالح ، من هنا كان القانون الذي تنتظم السياسة على هداه ، طاردا لكل من لا يؤمن بأبجديات السياسة كما يقررها واضعوها والمستفيدون منها ، وجاذبا لكل واثق بها ، ومحاولا لإستبقاء كل ساع في متاهاتها .

وهذا بالضبط هو الذي أسس للإنقسام السياسي فلسطينيا وجعله واقعا منظورا ، فاختلاف المفاهيم لن ينتج إنقساما بالضرورة ، ولكن الإنخراط في منظومة من الترتيبات تشكلت على أسس غير سليمة أو عادلة سيؤدي للإنقسام لا محالة ، وهو ما كان في اوسلو ، حيث قرر الفرقاء عبرها شكل المستقبل الذي ينتظر الشعب الفلسطيني ، وقننوا نماذج السلوك للسلطة التي حملت اسمه ، وحددوا بوضوح نهاية الآمال التي يمكن للفلسطيني أن يسعى لتحقيقها أو حتى يحلم بها ، هذه الحدود والقيود وهذا التراجع في سقف الأهداف التي عبرت عنها اوسلو ، كانت المؤسس الحقيقي للإنقسام ، والمشعل الفعال لجذوة الفرقة.

لأن المسألة والحال هكذا لا تتصل بوجهة نظر معينة أو باجتهاد وفهم ما مارسه فريق أوسلو ، وإنما بالتزام هذا الفريق تجاه العدو المحتل بقضايا لا يمكن أن تنسجم مع المصلحة الفلسطينية بالمطلق ، ومن ثم سلوك ميداني يومي يترجم هذا الإلتزام واقعا على الأرض ، هنا مربط الفرس فيما يتصل بحقيقة الإنقسام ، وسيكون المسؤول عن حدوثه هو فريق أوسلو الفلسطيني ، لا من يعارضه ويعتبره طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني ، ومع ذلك فلم يبادر الفريق الرافض لأوسلو لأية أعمال من شأنها أن تُحدث إنقساما أو إقتتالا بين أبناء الشعب الفلسطيني ، فضلا عن تهديد وحدته ونسيجه الإجتماعي ، بل كان سدا منيعا يحول دون ذلك طيلة ثلاثة عشر عاما .

إن إصرار الفريق الأوسلوي الفلسطيني على الإلتزام بأوسلو في الوقت الذي تنصل فيه الإحتلال منها وبطريقة عملية ، يشير إلى أن قضيته الاولى أصبحت أوسلو وليست فلسطين ، لانها هي التي تهيء له كلا من شرعية البقاء في الواجهة ، ومسوغ الشراكة والتبعية للإحتلال ، لذلك كان من السهل عليه العبث بوحدة ومصير الشعب الفلسطيني كي لا تسقط هي فيسقط معها بحكم وحدة الحال والمصير المشترك ، فكانت الحرب الشعواء على حماس بعيد فوزها في الإنتخابات التشريعية قبل خمس سنوات وما يزال أوارها مشتعلا حتى اللحظة ، ويا لسخرية الأقدار ، فحماس لم تسعَ لإحداث شرخ فلسطيني داخلي وإن كان الدافع والهدف هو إسقاط اوسلو الكارثة ، وفتح سعت بكل وضوح وإصرار لإحداث هذا الشرخ والإنقسام من أجل الإبقاء على الكارثة تجثم على الصدور ، وترسم ملامح ومستقبل فلسطين كما يريده لها الإحتلال وداعميه في العالم ، لأن بقاءها مرهون ببقاء اوسلو ذاتها .

هذه الحقيقة الصارخة للإنقسام تكشف مدى التسطيح والرغائبية والإنتقائية لسلوك ومواقف الكثير ممن يندبون الوحدة ويتوقون للم الشمل نظريا ، لأنهم لا يضعون اليد على الجرح مباشرة ، وإنما يدارونه عندما لا يشيرون بوضوح لمنشأ الإنقسام والجهة المسببة له ، هذه المواقف يتم استثمارها لتصب في بوتقة الجهود المركزة في مواجهة طرف بعينه ، وليكون وحده من يقدم إستحقاقات طي صفحة الإنقسام ، إعتقادا من الجميع بأنه ما من سبيل لتمرير المواقف الضعيفة خاصتهم إلا في مواجهة من يعتقدونه الطرف الأضعف في دائرة الإنقسام .

وفي هذا السياق تحديدا يمكن قراءة الطريقة التي استجاب بها رئيس السلطة المنتهية ولايته لبمادرة رئيس الحكومة في غزة لزيارة القطاع ، فقد قفز بشكل واضح عن الإنقسام وأسبابه ، باتجاه محاولة لفرض رؤية للخروج من المأزق ، فهو لم يقدم حلولا ولا افكارا تقود لها ، ولكنه يؤجل البحث في مصير المشكلة القائمة المستعصية للمستقبل المجهول ، لماذا ؟ لأنه لا يستطيع أن يعطي إلتزامين متناقضين في آن ، فقد أعطى الإلتزام الاول في وثيقة اوسلو ، وهو اليوم لا يستطيع أن يعطي للشعب الفلسطيني ولحركة حماس تحديدا إلتزاما آخر يعالج جذور الإنقسام وينفي التزامه في اوسلو ، خصوصا أنه الشخص ذاته الذي وقعها بيسراه في أروقة البيت الأبيض يوما ما .

إن مضمون التحرك الذي تقدم به رئيس السلطة محمود عباس ، يؤكد انتصاره لاوسلو وإصراره عليها ، برغم كل الإحباطات والفشل الذي مني به الفريق الذي قاده خلال مسيرة اوسلو العاثرة ، وبرغم التنكر الواضح لشريك أوسلو الآخر لكل الإستحقاقات المترتبة عليه وفقا لها ، وتنصله الفعلي من كل التزاماتها ، بل وتدمير الجزء اليسير الذي تم تنفيذه منها ، عبر إعادة إحتلال مدن الضفة عام 2002 .

لا يخفى ان طريقة الحل كما يعرضها رئيس السلطة لا تتجاوز هذه المعطيات فحسب ، بل تتجاوز حقيقة المتغيرات والحراك المتسارع في محيطنا القريب والبعيد ، وأثر ذلك المباشر إيجابا على مجمل قضيتنا العادلة ، الأمر الذي يثير المزيد من الشكوك حول حقيقة التزامات ومسؤوليات ومواقف رئيس السلطة ، وما إذا كانت إلتزاماته تجاه اوسلو مقدمةعلى إلتزاماته تجاه مصالح الشعب الفلسطيني بوصفه رئيسا لسلطته الوطنية ، من الواضح أن محاولات الإبقاء على أوسلو كقطب رحى بالنسبة لأية معادلة سياسية فلسطينية قادمة ، لا يدل على رغبة حقيقية في إنهاء الإنقسام ، اللهم إلا إذا كان المطلوب هو إزالة وإنهاء كل العقبات والمعيقات التي تهدد انتظام قطار اوسلو على السكة من جديد.

الصراحة اني ما قريته كله لانه طويييييييييييييل

تقبل مروري السريععععععع جدا